فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يشعرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أو يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الأهلاك تحذيرًا للعرب بقوله مؤكدًا لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعًا {مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.
ولما كان التقدير للاستدلال على الجزاء الذي جامعه التكفل بجميع أنحائه يوم القيامة: فإنا ما خلقنا الناس عبثًا يبغي بعضهم على بعض ثم لا يؤاخذون، عطف عليه ما هو أكبر في الظاهر منه فقال: {وما خلقنا السماوات} أي على عظمها واتساع كل واحدة منها واحتوائها لما تحتها، وجمعها لأن العمل كلما زاد كان أبعد من العبث مع أن إدراك تعددها مما يقتضي المشاهدة بما فيها من الكواكب، ووحد في سورة الأنبياء تخصيصًا بما يتحقق المكذبون بالبعث رؤيته لما ذكر هناك من اختصاص (لدن) بما بطن.
ولما كان الدليل على تطابق الأرضي دقيقًا وحدها فقال: {والأرض} أي على ما فيها من المنافع {وما بينهما} أي النوعين وبين كل واحدة منها وما يليها {لاعبين} أي على ما لنا من العظمة التي يدرك من له أدنى عقل تعالىها عن اللعب لأنه لا يفعله إلا ناقص، ولوتركنا الناس يبغي بعضهم على بعض كما تشاهدون ثم لا نأخذ لضعيفهم بحقه من قويهم لكان خلقنا لهم لعبًا، بل اللعب أخف منه، ولم نكن على ذلك التقدير مستحقين لصفة القدوسية، فإنه (لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها بالحق من قويها غير متعتع)- رواه ابن ماجة عن أبي سعيد وابن جميع في معجمه عن جابر، وصاحب الفردوس عن أبي موسى- رضى الله عنه- م رفعوه، وهو شيء لا يرضى به لنفسه أقل حكام الدنيا، فكان هذا برهانًا قاطعًا على صحة الحشر ليظهر هناك الفصل بالعدل والفضل.
ولما نفى أن يكون خلق لك اللعب الذي هو باطل، أثبت ما خلقه له ولم يصرح بما في البين لأنه تابع، وقد نبه ما مضى، فقال مستأنفًا: {ما خلنقاهما} أي السماوات والأراضي مع ما بينهما {إلا بالحق} من الحكم بين من فيهما، فمن عمل الباطل عاقبناه ومن عمل الحق أثبناه، وبذلك يظهر غاية الظهور إحاطتنا بجميع أوصاف الكمال كما نبهنا عليه أهل الكمال في هذا الدار بخلقهما الذي واقعة بمطابق للحق، وهو ما لنا من تلك الصفات المقتضية للبعث لأحقاق الحق وإبطال الباطل بما لا خفاء فيه عند أحد.
ولما كان أكثر الخلق لا يعلم ذلك لعظمته عن النظر في دليله وإن كان قطعيًا بديهيًّا.
{و لكن أكثرهم} أي أكثر هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم وهم يقولون: {إن هي إلا موتتنا الأولى} وكذا من نحا نحوهم {لا يعلمون} أي أنا خلقنا الخلق بسبب إقامة الحق فهم لأجل ذلك يجترئون على المعاصي ويفسدون في الأرض لا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولوتذكروا ما ركزناه في جبلاتهم لعلموا علمًا ظاهرًا أنه الحق الذي لا معدل عنه كما يتو لى حكامهم المناصب لأجل إظهار الحكم بين رعاياهم، ويشرطون الحكم بالحق، ويؤكدون على أنفسهم أنهم لا يتجاوزونه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ولقد نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)}.
اعلم أنه تعالى لما بيّن كيفية إهلاك فرعون وقومه بيّن كيفية إحسانه إلى موسى وقومه.
واعلم أن دفع الضرر مقدم على إيصال النفع فبدأ تعالى ببيان دفع الضرر عنهم فقال: {ولقد نَجَّيْنَا بَنِي إسرائيل مِنَ العذاب المهين} يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والإتعاب في الأعمال الشاقة.
ثم قال: {مِن فِرْعَوْنَ} وفيه وجهان: الأول: أن يكون التقدير من العذاب المهين الصادر من فرعون الثاني: أن يكون فرعون بدلًا من العذاب المهين كأنه في نفسه كان عذابًا مهينًا لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم.
قال صاحب (الكشاف) وقرئ {مِنْ عَذَابِ المهين} وعلى هذه القراءة (فالمهين) هو فرعون لأنه كان عظيم السعي في إهانة المحقين.
وفي قراءة ابن عباس {مِن فِرْعَوْنَ} وهو بمعنى الاستفهام وقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} جوابه كأن التقدير أن يقال هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته؟ ثم عرف حاله بقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} أي كان عالي الدرجة في طبقة المفسرين، ويجوز أن يكون المراد {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} لقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} [القصص: 4] وكان أيضًا مسرفًا ومن إسرافه أنه على حقارته وخسته ادعى الإلهية، ولما بيّن الله تعالى أنه كيف دفع الضرر عن بني إسرائيل وبيّن أنه كيف أوصل إليهم الخيرات فقال: {ولقد اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} وفيه بحثان:
البحث الأول: أن قوله: {على عِلْمٍ} في موضع الحال ثم فيه وجهان أحدهما: أي عالمين بكونهم مستحقين لأن يختاروا ويرجحوا على غيرهم والثاني: أن يكون المعنى مع علمنا بأنهم قد يزيغون ويصدر عنهم الفرطات في بعض الأحوال.
البحث الثاني: ظاهر قوله: {ولقد اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} يقتضي كونهم أفضل من كل العالمين فقيل المراد على عالمي زمانهم، وقيل هذا عام دخله التخصيص كقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [ال عمران: 110].
ثم قال تعالى: {وءآتيناهم مِنَ الآيات} مثل فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وغيرها من الآيات القاهرة التي ما أظهر الله مثلها على أحد سواهم {بلاء مبين} أي نعمة ظاهرة، لأنه تعالى لما كان يبلو بالمحنة فقد يبلوأيضًا بالنعمة اختبارًا ظاهرًا ليتميز الصديق عن الزنديق، وهاهنا آخر الكلام في قصة موسى عليه السلام ثم رجع إلى ذكر كفار مكة، وذلك لأن الكلام فيهم حيث قال: {بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ} أي بل هم في شك من البعث والقيامة، ثم بيّن كيفية إصرارهم على كفرهم، ثم بيّن أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر على هذه القصة، ثم بيّن كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل، ثم رجع إلى الحديث الأول، وهو كون كفار مكة منكرين للبعث، فقال: {إِنَّ هَؤُلاَء لَيَقولونَ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} فإن قيل القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية فكان من حقهم أن يقولوا: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين؟ قلنا إنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تعقبها حياة، كما أنكم حال كونكم نطفًا كنتم أمواتًا وقد تعقبها حياة، وذلك قوله: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَقالواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقيب الحياة لها إلا الموتة الأولى خاصة، فلا فرق إذًا بين هذا الكلام وبين قوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} هذا ما ذكره صاحب (الكشاف): ويمكن أن يذكر فيه وجه آخر، فيقال قوله: {إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} يعني أنه لا يأتينا شيء من الأحوال إلا الموتة الأولى، وهذا الكلام يدل على أنهم لا تأتيهم الحياة الثانية ألبتة، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} فلا حاجة إلى التكلف الذي ذكره صاحب (الكشاف).
ثم قال تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} يقال نشر الله الموتى وأنشرهم إذا بعثهم، ثم إن الكفار احتجوا على نفي الحشر والنشر بأن قالوا: إن كان البعث والنشور ممكنً معقولا فجعلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بأن تسألوا ربكم ذلك، حتى يصير ذلك دليلًا عندنا على صدق دعواكم في النبوة والبعث في القيامة، قيل طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوالله حتى ينشر قصي بن كلاب ليشأو روه في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي صحة البعث، ولما حكى الله عنهم ذلك قال: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أهلكناهم إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} والمعنى أن كفار مكة لم يذكروا في نفي الحشر والنشر شبهة حتى يحتاج إلى الجواب عنها، ولكنهم أصروا على الجهل والتقليد في ذلك الأنكار، فلهذا السبب اقتصر الله تعالى على الوعيد، فقال إن سائر الكفار كانوا أقوى من هؤلاء، ثم إن الله تعالى أهلكهم فكذلك يهلك هؤلاء، فقوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} استفهام على سبيل الأنكار، قال أبو عبيدة: ملوك اليمن كان كل واحد منهم يسمى تبعًا (1) لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه، وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظم من ملوك العرب قالت عائشة، كان تبع رجلًا صالحًا، وقال كعب: ذم الله قومه ولم يذمه، قال الكلبي هو أبوكرب أسعد، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا تبعًا فإنه كان قد أسلم ما أدري أكان تبع نبيًا أو غير نبي».
فإن قيل ما معنى قوله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} مع أنه لا خير في الفريقين؟ قلنا معناه أهم خير في القوة والشوكة، كقوله: {أكفاركم خَيْرٌ مّنْ أولئكم} [القمر: 43] بعد ذكر ال فرعون، ثم إنه تعالى ذكر الدليل القاطع على القول بالبعث والقيامة، فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} ولولم يحصل البعث لكان هذا الخلق لعبًا وعبثًا، وقد مرّ تقرير هذه الطريقة بالاستقصاء في أول سورة يونس، وفي آخر سورة {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} حيث قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا} [المؤمنون: 115] وفي سورة ص حيث قال: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهم باطلًا} [ص: 27].
ثم قال: {مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} والمراد أهل مكة، وأما استدلال المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر والفسق ولا يريدهما فهو مع جوابه معلوم، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

{ولقد نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)}.
يعني ما كانت القبط تفعل بهم بأمر فرعون، من قتل الأبناء واستخدام النساء، واستعبادهم إياهم وتكلفهم الأعمال الشاقة.
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من {الْعَذَابِ الْمُهِينِ} فلا تتعلق {مِنْ} بقوله: {مِنَ الْعَذَابِ} لأنه قد وصف، وهو لا يعمل بعد الوصف عمل الفعل.
وقيل: أي أنجيناهم من العذاب ومن فرعون.
{إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} أي جبارًا من المشركين.
وليس هذا عُلومَدْح بل هو عُلُوفي الإسراف، كقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} [القصص: 4].
وقيل: هذا العلوهوالترفع عن عبادة الله.
قوله تعالى: {ولقد اخترناهم} يعني بني إسرائيل.
{على عِلْمٍ} أي على علم مِنَّا بهم لكثرة الأنبياء منهم.
{عَلَى العالمين} أي عالمي زمانهم، بدليل قوله لهذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [ال عمران: 0 11]. وهذا قول قتادة وغيره.
وقيل: على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء.
وهذا خاصة لهم وليس لغيرهم؛ حكاه ابن عيسى والزَّمَخْشَريّ وغيرهما.
ويكون قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أي بعد بني إسرائيل. والله أعلم.
وقيل: يرجع هذا الاختيار إلى تخليصهم من الغرق وإيراثهم الأرض بعد فرعون.
قوله تعالى: {وَآتيناهم مِّنَ الآيات} أي من المعجزات لموسى.
{مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ} قال قتادة: الآيات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم، وتظليل الغمام عليهم وإنزال المَنّ والسَّلْوَى. ويكون هذا الخطاب متوجِّهًا إلى بني إسرائيل.
وقيل: إنها العصا واليد.
ويشبه أن يكون قول الفرّاء. ويكون الخطاب متوجهًا إلى قوم فرعون.
وقول ثالث إنه الشر الذي كَفّهم عنه والخير الذي أمرهم به؛ قاله عبد الرحمن بن زيد. ويكون الخطاب متوجهًا إلى الفريقين معًا من قوم فرعون وبني إسرائيل.
وفي قوله: {بَلاَءٌ مُّبِينٌ} أربعة أوجه: أحدها نعمة ظاهرة؛ قاله الحسن وقتادة. كما قال الله تعالى: {و ليُبْلِيَ المؤمنين مِنْهُ بلاء حَسَنًا} [الأنفال: 17]. وقال زهير:
فأبلاهما خيرَ البلاءِ الذي يَبْلُو

الثاني عذاب شديد؛ قاله الفرّاء.
الثالث اختبار يتميز به المؤمن من الكافر؛ قاله عبد الرحمن بن زيد.
وعنه أيضًا: ابتلاؤهم بالرخاء والشدة؛ ثم قرأ: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].
قوله تعالى: {إِنَّ هؤلاء لَيَقولونَ} يعني كفار قريش {إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} ابتداء وخبر؛ مثل: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155]، {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} [المؤمنون: 37] {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} أي بمبعوثين.
{فَأْتُواْ بِآبائنا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنشر الله الموتى فنشروا. وقد تقدّم.
والمنشورون المبعوثون.
قيل: إنّ قائل هذا من كفار قريش أبو جهل، قال: يا محمد، إن كنت صادقًا في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا: أحدهما قصيّ بنِ كلاب فإنه كان رجلًا صادقًا؛ لنسأله عما يكون بعد الموت.
وهذا القول من أبي جهل من أضعف الشبهات؛ لأن الإعادة إنما هي للجزاء لا للتكليف؛ فكأنه قال: إن كنت صادقًا في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف.
وهوكقول قائل: لو قال إن كان ينشأ بعدنا قوم من الأبناء؛ فلم لا يرجع من مضى من الآباء؛ حكاه الماوردي.
ثم قيل: {فَأْتُوا بِآبائنا} مخاطبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده؛ كقوله: {رَبِّ ارجعون} [المؤمنون: 99] قاله الفرّاء.
وقيل: مخاطبة له ولاتباعه.
قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هذا استفهام إنكار؛ أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب؛ إذ ليسوا خيرًا من قوم تبع والأمم المهلكة، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء.
وقيل: المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالًا أم قوم تُبَّع.
وقيل: أهم أعزّ وأشدّ وأمنع أم قوم تُبّع.
وليس المراد بتُبّع رجلًا واحدًا بل المراد به ملوك اليمن؛ فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة.
فتُبَّعْ لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين، وكِسْرَى للفُرْس، وقَيْصر للروم.
وقال أبو عبيدة: سُمِّيَ كل واحد منهم تُبَّعًا لأنه يتبع صاحبه.
قال الجوهري: والتبابعة ملوك اليمن، واحدهم تُبّع.
والتُّبَّع أيضًا الظِّل؛ وقال:
يَرد المياه حضِيرةً ونَفِيضةً ** وِرْدَ القطَاة إذا اسمأل التُّبَّع

والتبع أيضًا ضرب من الطير.
وقال السهيلي: تُبّع اسمٌ لكل مَلِك مَلَكَ اليمن والشِّحْر وحضرموت.
وإن مَلكَ اليمن وحدها لم يقل له تُبّع؛ قاله المسعودي.
فمن التبابعة: الحارث الرائش، وهو ابن همال ذي سدد.
وأبرهة ذوالمنار.
وعمرو ذو الأذعار.